الأحد، 20 يناير 2019

إعداد القيادات التربوية أحد أهم القواسم المشتركة للمدارس الفاعلة


تعد المدرسة بمكوناتها كافة من قيادات ومعلمين وطلاب ومناهج، المؤسسة التي يستند إليها المجتمع في تربية أبنائه وإعدادهم للمستقبل. ويمارس مدير مدرسة المستقبل من خلال فريق تربوي مؤهل دوره تخطيطاً وإدارة، بمستوى من الاستقلالية يتيح له تحقيق الأهداف المنطلقة من سياسة التعليم، ضمن إطار من المسؤوليات في ضوء منهج مرن ومتكامل يتوائم مع روح العصر بوساطة أحدث وأجدى طرق التعليم التي تحقق الشراكة مع المعلم المدعومة بتقنيات التعليم الحديثة، وفي ظل نظام محكم من التقويم، ومشاركة المجتمع، من أجل إعداد جيل قادر على تطوير ذاته، فاعل في مجتمعه ومشارك في بناءه. لذا فإن إعداد المدير لمدرسة المستقبل يتطلب إعداده إعداداً جيداً للقيام بهذه المهمة الجليلة.
وتعرف القيادة على أنها عملية توجيه الناس لمواجهة التحديات، ويعرف آخرون القادة بأنهم الأشخاص الذين يشاركون بفاعلية في عملية تحديد مسار المؤسسة وضمان الاتساق بين الرؤية والتطبيق، إضافة لضمان الالتزام بالرؤية والاستراتيجية. والقيادة أيضاً هي فن التأثير وتوجيه الناس إلى تحقيق المهمة.
ويمكن أن نستخلص من التحليل السابق أن القيادة هي أما (عملية تأثير)، أو (قدرة على التأثير)، أو هي (فن التأثير)، أو (طريقة للتأثير)، أو (نشاط للتأثير)، (جهود للتأثير)، وأن هذا التأثير يتم على آخرين قد يوصفون بالتابعين، أو المرؤوسين، أو الجماعة أو الناس لتحقيق هدف المؤسسة أو أهداف معينه.
هل القادة المميزون قادة بالفطرة أم من الممكن صنعهم؟!
مازال يثار الجدل بي أصحاب المداخل والاتجاهات المختلفة في مجال دراسة القيادة “هل القادة المميزون قادة بالفطرة أم من الممكن صنعهم؟”, فهناك من يؤيد أن القادة هم قادة بالفطرة، وهناك من يؤيد أن القيادة ليست موهبة فطرية وهي شيء يمكن تعلمه وإتقانه بالخبرة والتدريب.
ويرى أصحاب الاتجاه الأول أن هناك أمثلة عديدة لقادة مشهورين لم يتدربوا مطلقاً على القيادة، لكنهم ولدوا قادة وأصبحوا قادة مشهورين، وفي التاريخ نماذج عديدة لهؤلاء القادة، وفي أدبيات القيادة عديد من الدراسات التي تناولت البحث في الخصائص والسمات والقدرات والمواهب والمهارات الشخصية التي ترتبط بالقيادة، لكن هذه الخصائص والسمات وأن كانت تنطبق على شخصيات قيادية معينه، لكنها لا تنطبق على جميع القادة، كما لا تؤيد نتائج الدراسات وجود خصائص أو سمات عامة تتميز بها كل الشخصيات القيادية، بحيث يمكن القول إن من تتوافر فيه هذه الخصائص والسمات سوف يصبح بالضرورة قائداً ناجحاً، كما تبين أن هذه الخصائص والقدرات تتوزع توزيعاً واسعاً بين غير القادة، وأن الخصائص والسمات اللازمة للنجاح في موقف قيادي معين ليس من الضروري أن تكون كذلك في مواقف قيادية أخرى.
بوجه عام تشير نتائج الابحاث حول القيادة إلى أنه لا يوجد قائد مولود، ويرى البعض أن القول بوجود أمثلة عديدة لقادة مشهورين لم يتدربوا مطلقاً على القيادة لا ينفي أنهم اكتسبوا بطريقة ما القدرات المطلوبة للقيادة المتميزة.
ويميل السواد الأعظم من الكتاب والباحثين لإمكانية تنمية القدرات القيادية والوصول بها إلى مستويات عالية من الأداء تمكن أصحابها من القيام بمهامهم القيادية بكفاءة واقتدار، لذلك فهناك حالياً العديد من الجامعات العريقة تقدم برامج متخصصة لإعداد القيادات بمناهج نظرية وعملية مستندة لأهم الدراسات والبحوث في هذا المجال.
وقد قامت بريطانيا مع بداية الألفية الجديدة بافتتاح كلية خاصة بإعداد القيادات التربوية الجديدة متوسطة ومتقدمة الخبرة، وتقدم الكلية العديد من البرامج المباشرة وبرامج عن بعد وتمنح الشهادات المهنية والرخص لمزاولة القيادة الاحترافية. وتم إلزام جميع مديري المدارس بالحصول على المؤهل الخاص بالإدارة المدرسية في غضون فترة زمنية محددة، إضافة لمنع أي فرد من إدارة مدرسة من دون الحصول على المؤهل الخاص بذلك. وبهذا تكون بريطانيا قد قامت بتمهين الإدارة التربوية وجعلها وظيفة لها معايير ومتطلبات واستحقاقات لابد من استيفائها.
القيادة مشاركة وبناء
القيادة والعملية القيادية ليست مرتبطة بمنصب وظيفي أو شخص معين، وإنما هي عملية يمكن توزيعها رأسياً وأفقياً على مجموعة من الأشخاص محصلة عملهم تكون القيادة وهو ما يعرف حالياً بالقيادة الجمعية، وتحتاج المؤسسة للانتقال من التعامل مع القيادة بالشكل التقليدي الفردي إلى التعامل مع القيادة بالشكل الحديث والقائم على فكرة القيادة الجمعية إلى الهيكلة المرنة في المؤسسات والانسيابية المعلوماتية للمستويات القيادية المختلفة والمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات وأخيراً اللامركزية.
وهذا الاتجاه يحدد أربع موجهات أساسية تقود عملية صناعة وبناء القادة في الوقت الحالي وهي التركيز على البناء والتطوير الرأسي وليس الأفقي فقط وتحمل القادة مسؤولية البناء والتطوير الذاتي، والقيادة الجمعية في المؤسسات مقابل القيادة الفردية بالإضافة إلى الابداع والابتكار في مجال بناء القادة وتطويرهم بأسلوب التوجيه والتدريب والدعم والتفويض.
متطلبات القيادة
أن صناعة القادة والقيادة بجميع أشكالها ومستوياتها من أهم المجالات التي تهتم بها العديد من دول العالم المتقدم لما للقيادة من أثر كبير على نجاح وفشل المؤسسات والمنظمات على اختلاف اشكالها وأنواعها، وهذه الصناعة بحاجة لعدة معطيات ومتطلبات أساسية من بينها:
تحديد مفهوم القيادة الذي نتبناه بدقة
تحديد معايير القيادة المعرفية والمهارية والقيمية.
بناء منهج علمي متكامل لإعداد القيادات
تنويع أشكال وفرص تعلم المنهج باستخدام التكنولوجيا.
اشتراط القابلية للتعليم لدخول برنامج القيادات.
التركيز على التعلم الذاتي كاستراتيجية أساسية لاكتساب المهارات والمعارف القيادية.
اعتماد التدريب والتطبيق الميداني طول مدة البرنامج.
متابعة مخرجات البرنامج وقياس أثر التدريب.
أدوار القائد التربوي ومسؤولياته
تؤكد العديد من الدراسات والبحوث والتقارير على أن القائد الناجح هو أحد أهم القواسم المشتركة للمدارس الفاعلة، وتشير التقارير على أن القائد المدرسي هو أهم شخصية تأثيرية في المدرسة على الإطلاق. فمدير المدرسة هو الشخصية الأكثر أهمية وتأثير في المدرسة. فهو الشخص المسؤول عن جميع الأنشطة الحاصلة في المدرسة ومحيطها. ومن خلال قيادة المدير تحدد المدرسة وجهتها وثقافتها التدريسية ومستوى الاحتراف وقيم معلميها ومدى الاهتمام بما تعلمه ومالم يتعلمه الطالب. وهو حلقة الاتصال بين المجتمع المحيط والمدرسة. وسلوك أولياء الأمور والطلاب يعتمد كثيراً على سلوك وأداء المدير سلباً وإيجابا.
أن القيادة حالياً تركز على الامور الجوهرية في المؤسسة وتركز على ما يجب فعله وكيف تفعله؟ وكيف تطور ما تفعله؟ وهذا التطور المفاهيمي كان له الأثر الكبير في تطور مفاهيم وتعاريف وأدوار القيادة المؤسسية منها والتربوية. وفي هذا السياق حددت خمسة أدوار جديدة للقائد التعليمي أو التربوي وهي:
1.
تشكيل وبناء الرؤية لتحقيق النجاح للجميع.
2.
توفير البيئة التعليمية الجاذبة لتحقيق أداء تعليمي ممكن.
3.
بناء القدرات القيادية في المدرسة وتبني فكرة القيادة الجمعية.
4.
التركيز على تطوير استراتيجيات التعليم والتعلم في المدرسة.
5.
الإدارة الذكية للأفراد والبيانات والعمليات لتحقيق أداء فاعل وتطوير مستمر.
ومع تأكيد الدراسات والتوصيات على هذه الادوار الجديدة، إلا أن العديد من مديري المدارس وبحسب تقارير اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي العالمي يقضون الكثير من الأوقات في العمل الإداري والمالي ويقضون أقل وقت في العمل التعليمي والتربوي وتطوير أداء العاملين وتحقيق نتائج تعليمية أفضل، وطالب أخرون مديري المدارس بالتركيز على عمليتي التعليم والتعلم والتي تعتبر الوظيفة الأساسية لمديري المدارس والتي من شأنها تحقيق نتائج تعليمية أفضل.
وتشير نتائج بعض الدراسات بأن المدارس الأكثر تفوقاً والأعلى نتيجة في المسابقات الدولية للعلوم والرياضيات واللغات مثل اختبارات التيمز والبيزا كانت القيادة المهتمة بالتعليم والتعلم هي القاسم المشترك بين هذه المدارس، وفي المقابل وجدت دراسات أخرى أن النتائج المتواضعة للمدارس مرتبطة بقيادات لديها اهتمام ضعيف بعمليتي التعليم والتعلم. وبناء على ذلك فإن مجال القيادة التربوية أو التعليمية يشهد حالياً تطوراً كبيراً بالانتقال من مفهوم الإدارة إلى مفهوم القيادة ومن كونها أحد مكونات العملية التعليمية إلى كونها قلب العملية التعليمية.
وقد ظهرت العديد من الدراسات التي تدعم هذا التوجه وتتحدث عما يسمى الآن القيادة المتمحورة حول التعليم أو “القيادة للتعلم” وهو ذات التوجه الذي تدعمه اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي، وقد قامت جهات مثل المجلس الوطني لسياسات الإدارة التعليمية بترجمة هذا التوجه إلى منظومة معايير مهنية للقائد التعليمي. وهي باختصار ما يجب أن يعرفه ويكون قادراً على فعله القائد التعليمي.
حاولت بعض الدراسات تحويل هذا الأثر، وهذه الاهمية للقيادة إلى أرقام كمية، واستطاعت أن تصل لنتيجة مفادها أن نصيب القيادة من نجاح المؤسسات التعليمية يتجاوز 25%، وتضيف هذه الدراسات أن ما يحدث داخل الصف مسؤول عن 30% من النتائج، وهذا يعني أن القائد التعليمي والصف المدرسي مسؤولين عن 55% من نجاح أو فشل العملية التعليمية في أي مدرسة من الدارس.
وما يمكن أن نلخص به من هذه الدراسات وغيرها بأن دور القائد التربوي في المدرسة دور حاسم وأساسي وأنه لا توجد حالة نجاح تعليمية حقيقية موثقة لإنجاز تحصيلي وأداء تعليمي عال من غير وجود قيادة فذة وفاعلة.
أخيراً
إننا بحاجة ماسة لتمهين القيادة في كثير من مؤسساتنا التي باتت تعاني من الأداء القيادي الضعيف، وباتت تتحمل تبعات القرارات التي يتخذها أمثال هؤلاء القادة بتأثيراتها السلبية على العمل والعاملين والمستفيدين من هذه المؤسسات، لقد آن الأوان لصناعة قياداتنا حتى الموهوبين منهم والذين يمتلكون المواهب القيادية الفطرية، إن مثل هذه الصناعة ستساعد على تجويد العمل في مؤسساتنا وتجعلها أكثر قدرة على المنافسة في المجالات المختلفة، وأخيراً القيادة مزيج من القدرة والفطرة فلنطور القدرات ونرعى الفطرات وفقاً لوزارة التعليم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نصائح للدراسة مدعّمة علمياً

ندما نفكر في "الدراسة" أو "المذاكرة"، من المحتمل أن تكون لدينا صور راسخة في ذهننا حول: ساعات طويلة لا نهاية ل...